ثقافة ڤيا بغرادا: رحلة لاستكشاف تراث وادي مجردة
في إطار برنامجه الجديد، أطلق ميوزيم لاب مبادرة فريدة من نوعها تهدف إلى إبراز الجوانب التراثية للشمال الغرب التونسي عبر مشروع ڤيا بغرادا: طريق مجردة. يأخذ هذا المشروع المشاركين في رحلة استثنائية عبر وادي مجردة، أطول أنهار تونس، كاشفاً عن مواقع تاريخية وطبيعية تعكس حضارات وحقباً مختلفة، مما يعزز الوعي بأهمية هذا المحور الثقافي كرافد أساسي للهوية الوطنية.
وادي مجردة، الذي يحتل مكانة محورية في تاريخ المنطقة، ليس مجرد نهر، بل هو شاهد على قرون من الحياة والتطور. ومن خلال مشروع ڤيا بغرادا، يسعى ميوزيم لاب إلى تسليط الضوء على هذا المسار التاريخي وربط الماضي بالحاضر عبر إحياء المواقع الهامة على امتداده. حاتم دريسي، أحد القائمين على المشروع، قال عن المبادرة: "وادي مجردة هو شريان الحياة في المنطقة، يجمع بين الطبيعة والثقافة، ويحمل حكايات عن حضارات متعاقبة ساهمت في تشكيل هويتنا."
على خطى التاريخ: استكشاف معالم وادي مجردة
انطلقت الرحلة من العاصمة تونس باتجاه الشمال الغربي، حيث تعرف المشاركون على جسر-سد البطّان، الذي يعود إلى العصور القديمة، وأعيد بناؤه عام 1690 على يد محمد باي المرادي. اشتق اسمه من الكلمة الإسبانية "باتان"، التي تشير إلى طاحونة خاصة بصناعة النسيج، وقد كانت تُستخدم في تليين الصوف لصناعة الشاشية. كانت هذه الصناعة تعتمد بشكل رئيسي في بداياتها على الطاقة المائية، وهو ما يفسر اختيار وادي مجردة كموقع مثالي لتركيز هذا المصنع. كما تم المرور على الجسر الروماني في مجاز الباب، والذي توجد عليه لوحة تشير إلى تاريخ ترميمه عام 1702 وتعدّ هذه الجسور مثالاً على الهندسة المعمارية القديمة التي تطل على مجردة.
مرورا بمدينة طبربة تم التوقف عند كنيسة فيليسيتي وبيربيتوي التي يعود تشييدها إلى فترة الاستعمار الفرنسي، وقد اتخذت اسم فيلسيتي وبيربيتوي وهما شهيدتين في إفريقيا الرومانية، تم إعدامهما في المسرح الروماني بقرطاج بسبب تصدّيهما للمدّ الوثني الروماني آنذاك دفاعا عن الديانة المسيحية.
أما في مجاز الباب فقد قام المشاركون بالتعرّف على المقبرة الانقليزية المخصصة للجنود الأنقليز حيث شكلت مدينة مجاز الباب إحدى ساحات القتال بين الانقليز والألمان في سنة 1943.
ثم توقف المشاركون عند سد سيدي سالم، الذي يبرز الأهمية الاقتصادية لهذا النهر في دعم الزراعة والمجتمعات المحلية في المنطقة. وأثناء الرحلة، قاد السيد محمد الحلواني، المرشد المحاضر، المشاركين في استكشاف طبيعة المنطقة، مسلطاً الضوء على تاريخ المواقع ودورها في الحياة اليومية لسكان الشمال الغربي التونسي.
هذا ويعدّ الشمال الغربي التونسي المنطقة الأكثر احتواء لآثار الحضارة النوميدية في العالم في جانبيها المعماري والأركيولوجي على حد السواء.
وادي مجردة: رمز للتراث ومستقبل السياحة الثقافية
تسعى المبادرة إلى استكشاف الجوانب التاريخية لوادي مجردة، وربط هذا التراث بقصص الماضي، مع التركيز على ضرورة الحفاظ على هذه المواقع وتعزيز الوعي المجتمعي حولها. ويأمل القائمون على ڤيا بغرادا في أن يسهم المشروع في دعم السياحة الثقافية والبيئية، وجعل وادي مجردة وجهة رئيسية للراغبين في استكشاف تراث تونس العريق.
مع ڤيا بغرادا، لا يكون مجردة مجرد نهر يجري عبر البلاد، بل يتحول إلى رمز حيّ لتاريخ تونس وتنوعها الثقافي، وإلى بوابة تربط الحاضر بالماضي، مما يجعله نموذجاً لإحياء التراث واستدامته.